رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
السيد الرئيس دونالد ترامب، تحية طيبة وبعد، أخاطبكم اليوم بصفتي إنسانًا يرفض الظلم ويسعى لتحقيق العدالة، وأكتب إليكم بشأن القضية الفلسطينية التي لطالما كانت محورًا للصراعات والآلام. إن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني اليوم من تهجير قسري من أرضه، وتدمير منازله، وحرمانه من أبسط حقوقه الإنسانية، هو أمر لا يمكن لأي ضمير حي أن يقبله، أو يتجاهله. لقد شاهد العالم بأسره كيف تمضي السياسات الإسرائيلية في تنفيذ مشاريع التوسع الاستيطاني غير القانوني، التي لم تؤدِّ إلا إلى مزيد من المعاناة والتصعيد، ومع ذلك، لم يكن للفلسطينيين سوى صوتهم الضعيف في مواجهة آلة الحرب والسياسات المنحازة، التي غالبًا ما تتجاهل حقوقهم المشروعة في وطنهم. إن استمرار عمليات التهجير في غزة، والضفة الغربية، والقدس الشرقية، وحرمان الفلسطينيين من العيش الكريم، ليس مجرد انتهاك للقانون الدولي، بل هو جريمة أخلاقية وإنسانية تستوجب تحركًا عالميًا لوقفها. السيد الرئيس، لقد اتخذت إدارتكم خلال الفترة الأولى لرئاستكم قرارات مصيرية كان لها تأثير عميق على الوضع الفلسطيني، ومنها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بها عاصمة لـ (إسرائيل)، ودعم الاستيطان غير الشرعي، والآن تدفعون بقوة لتهجير الشعب الغزاوي من أرضه بحجج واهية، هذه السياسات عززت من شعور الفلسطينيين بالخذلان، وأدت إلى تقويض فرص السلام العادل. إن أي حل لا يأخذ في الاعتبار حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، لن يكون سوى وصفة لاستمرار الصراع والمعاناة. إنني أناشدكم اليوم، بصفتكم شخصية سياسية ذات نفوذ عالمي، أن تعيدوا النظر في السياسات التي ساندت الظلم، وألحقت الأذى بالشعب الفلسطيني، قد يقال إن المصالح السياسية تحكم العلاقات الدولية، لكن في النهاية، تبقى القيم الإنسانية هي المعيار الحقيقي للحكم على السياسات، وإذا كنتم تؤمنون فعلًا بالديمقراطية وحقوق الإنسان، فكيف يمكنكم تبرير تهجير آلاف العائلات من بيوتها التي سكنتها لأجيال؟! وكيف يمكنكم تجاهل الممارسات التي تنتهك كل الأعراف والمواثيق الدولية؟! وبدلًا من إجبار الفلسطينيين لترك أرضهم التي ولدوا فيها، فالأنسب هو دعوة الإسرائيليين إلى العودة إلى البلدان التي أتوا منها. السيد الرئيس، ألا تعلم أن القانون الدولي يعتبر الاحتلال الإسرائيلي غير شرعي وفقًا للعديد من القرارات والمعاهدات الدولية، ومنها: 1. قرار 194 (1948): أكد حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم، وهو حق لم يُنفّذ حتى اليوم. 2. قرار 242 (1967): طالب بانسحاب (إسرائيل) من الأراضي المحتلة، وهو ما لم تلتزم به (إسرائيل). 3. اتفاقية جنيف الرابعة (1949): تحظر التهجير القسري والاستيطان في الأراضي المحتلة، وهو ما تواصل (إسرائيل) انتهاكه عبر بناء المستوطنات. ووفقًا للقانون الدولي، فإن للفلسطينيين الحق في تقرير المصير، والمقاومة المشروعة ضد الاحتلال، وتنص الأمم المتحدة على أن الاحتلال العسكري يجب أن يكون مؤقتًا، وأن أي تغييرات ديموغرافية قسرية تُعتبر جرائم حرب. السيد الرئيس، إن التاريخ لا يرحم، وسيحكم على من وقف مع العدالة ومن دعم الظلم، إن دعمكم المطلق لـ (إسرائيل) دون النظر إلى الجانب الآخر من المعادلة لم يجلب السلام، بل أدى إلى مزيد من العنف والتوتر، فالسلام الحقيقي لا يتحقق بالانحياز لطرف واحد، بل بالعدل والمساواة وإعطاء كل ذي حق حقه. إن الفلسطينيين ليسوا أرقامًا في نشرات الأخبار، بل هم بشر لهم آمالهم وأحلامهم، وأطفالهم الذين يستحقون العيش بأمان، وشبابهم الذين يستحقون الفرصة لحياة كريمة، ما يحدث لهم اليوم هو نكبة جديدة، تضاف إلى تاريخ طويل من التهجير والظلم، وإن لم يتحرك العالم لإيقاف هذا النزيف المستمر، فسيكون الجميع مسؤولًا أمام ضمائرهم، وأمام التاريخ. السيد الرئيس، أدعوكم لأن تستغلوا تأثيركم العالمي في الضغط من أجل وقف عمليات التهجير القسري، والاعتراف بحق الفلسطينيين في وطنهم، والعمل على تحقيق سلام عادل لا يقوم على القوة والاحتلال، بل على العدالة والاحترام المتبادل. إن السلام الحقيقي لا يمكن فرضه بالقوة، بل يتحقق بإرادة الشعوب، وبقرار سياسي أخلاقي وشجاع. آمل أن يكون لديكم الشجاعة الكافية لمراجعة سياساتكم تجاه القضية الفلسطينية، وأن تعيدوا النظر في مواقفكم بما يتفق مع مبادئ العدالة والإنصاف، لأن الحق لا يسقط بالتقادم، والشعوب لا تنسى من وقف معها ومن خذلها. وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.
714
| 10 فبراير 2025
عودة النازحين إلى غزة بعد وقف الحرب بين حماس و(إسرائيل) تمثل لحظة تاريخية مليئة بالمشاعر المتناقضة بين الفرح والألم، الأمل والخوف. هذه العودة ليست مجرد حركة جغرافية من مكان إلى آخر، بل هي رحلة إنسانية تحمل في طياتها قصصًا من المعاناة والصمود، وأحلامًا بمستقبل أفضل فبعد خمسة عشر شهرًا من القتال العنيف، الذي خلّف دمارًا واسعًا في البنية التحتية وخسائر بشرية فادحة، ويأتي وقف إطلاق النار ليفتح الباب أمام آلاف العائلات التي نزحت من منازلها لتجد مأوى مؤقتًا في مدارس أو منازل أقارب، أو حتى في العراء. ومع إعلان وقف إطلاق النار، بدأت أفواج من الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم في غزة، فالطرق التي كانت خالية خلال أيام الحرب تمتلئ بالسيارات والحافلات التي تحمل عائلات بأكملها، بالإضافة إلى المشاة الذين يسيرون حاملين أمتعتهم البسيطة على ظهورهم، الوجوه تعكس مزيجًا من الارتياح لانتهاء القتال والحزن على ما فقدوه، والأطفال الذين عانوا من ويلات الحرب، ينظرون حولهم بفضول وخوف، بينما الكبار يحاولون إخفاء دموعهم عند رؤية الدمار الذي حل بمنازلهم وأحيائهم. ما يواجهه الفلسطينيون عند عودتهم هو مشهد مؤلم، فالعديد من المنازل تحولت إلى ركام، والشوارع مليئة بالحفر والأنقاض، والبنية التحتية التي كانت بالفعل في حالة متردية بسبب الحصار الطويل، أصبحت الآن أكثر تدهورًا، والمدارس والمستشفيات والمباني الحكومية تعرضت لأضرار جسيمة، مما يجعل عملية إعادة الإعمار مهمة شاقة تتطلب جهودًا دولية كبيرة، والكهرباء والمياه النظيفة أصبحت سلعًا نادرة، والخدمات الصحية تكاد تكون معدومة في بعض المناطق. ورغم الدمار الهائل، فإن روح الصمود لدى أهل غزة تظهر بقوة، فالعائلات تبدأ فور وصولها بتنظيف ما تبقى من منازلها، وإعادة ترتيب حياتها من الصفر، والجيران يساعدون بعضهم البعض في إزالة الأنقاض، والأطفال يلعبون بين الركام، وكأنهم يرفضون السماح للحرب بقتل طفولتهم، الأمل في إعادة البناء يعطي الناس القوة لمواجهة التحديات اليومية. إن عودة الفلسطينيين إلى غزة ليست نهاية المطاف، بل بداية لمرحلة جديدة من التحديات، فإعادة الإعمار تتطلب مليارات الدولارات، والجهود الدولية غالبًا ما تكون بطيئة ومحفوفة بالبيروقراطية، والحصار الإسرائيلي المفروض على غزة منذ سنوات يزيد من صعوبة إدخال مواد البناء والمساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى ذلك، فإن التوترات السياسية بين حماس والسلطة الفلسطينية تشكل عقبة أخرى أمام تحقيق الاستقرار. وتُعد مواقف النازحين المؤثرة تجسيدًا لقوة الإرادة البشرية في مواجهة الظروف القاسية، فالعديد من العائلات التي عانت من التهجير، تمكنت من العودة إلى غزة رغم كل التحديات التي واجهتها، وقصصهم مليئة بالأمل والإصرار، حيث يروون كيف أن حبهم لوطنهم ورغبتهم في إعادة بناء حياتهم كانت الدافع الرئيس للعودة. يوم العودة لا ينسى، حيث تستقبل العائلات العائدة بعضها البعض، وتعيد بناء ذكرياتها في الأماكن التي كانت تضمهم من قبل، وهناك لحظات مؤثرة حين يتمكن الأفراد من رؤية منازلهم المدمرة، لكنهم يجدون العزاء في بعضهم البعض وفي دعم المجتمع المحلي، إن روح التضامن بين الناس في هذه اللحظات تعكس قيم الإنسانية. أقول: رغم الفرح المؤقت بعودة الحياة إلى طبيعتها، فإن الخوف من تكرار الحرب يظل حاضرًا في أذهان الجميع، فالتجارب السابقة علّمت أهل غزة أن وقف إطلاق النار قد يكون هشًا، وقابلًا للانتهاك في أي لحظة. هذا الخوف يجعل عملية إعادة الإعمار أكثر تعقيدًا، حيث يتردد الكثيرون في استثمار أموالهم وطاقاتهم في بناء ما يمكن تدميره مرة أخرى. وعلى المجتمع الدولي أن يقوم بالدور المنوط به في مساعدة غزة على التعافي، من خلال المنظمات الإنسانية مثل: الأمم المتحدة، والهلال الأحمر، والصليب الأحمر لتقديم المساعدات الطبية، والغذائية للمحتاجين. الدول المانحة تعقد مؤتمرات لجمع التبرعات لإعادة إعمار غزة، ولكن التزام هذه الدول بتعهداتها غالبًا ما يكون غير كافٍ، والضغط على (إسرائيل) لرفع الحصار عن غزة يبقى أحد المطالب الرئيسة للفلسطينيين والمجتمع الدولي.
570
| 03 فبراير 2025
الأمل في الله، عز وجل، هو النور الذي يضيء طريق الإنسان في ظلمات الحياة، وهو الزاد الذي يعينه على مواجهة التحديات والصعاب مهما بلغت، فحياة الإنسان مليئة بالعقبات والابتلاءات، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، ولكن من يتمسك بحبل الأمل في الله يجد راحة قلبه وسكينة نفسه، ويواصل رحلته في الحياة بثبات وإيمان، قال تعالى: (قُلۡ یَـٰعِبَادِیَ ٱلَّذِینَ أَسۡرَفُوا۟ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُوا۟ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ) (الزمر: 53)،)، وهذه الآية الكريمة تحمل أعظم رسالة أمل للبشرية جمعاء، فهي تذكرنا بأن الله يغفر الذنوب جميعًا إذا صدقت التوبة والإخلاص. والحياة ليست دائمًا سهلة، وهي مليئة بالمحن والابتلاءات التي قد تهز ثقة الإنسان بنفسه وبمحيطه، فبدون الأمل، قد يغرق الإنسان في ظلمات اليأس والإحباط، ولكن الأمل في الله يمنحه طاقة تجعله قادرًا على تجاوز الصعاب، سواء كانت في العمل، أو الدراسة، أو العلاقات، أو أي جانب من جوانب الحياة. والأمل يساعد الإنسان على تطوير نفسه، وتحقيق أهدافه، والتغلب على مشاعر الخوف والفشل، فعندما يؤمن الفرد بأن الله يُقدّر له الخير، فإنه يسعى جاهدًا لإتمام واجباته، ويعمل بكل جهده متوكلًا على الله في النتائج. ومن المعينات على إحياء الأمل في نفوسنا: 1. الإيمان بحكمة الله وعدله: فيجب أن نؤمن أن كل ما يحدث لنا في الحياة هو لحكمة يعلمها الله، سواء كانت خفية أو ظاهرة، فالمحن ليست إلا اختبارات لإيماننا وصبرنا، يقول الله تعالى: (إِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ یُسۡرࣰا) (الشرح: 6). 2. الرضا بالقضاء والقدر: فالرضا هو من أعلى مراتب الإيمان، وهو الطريق نحو السكينة والسلام الداخلي، ومن يرضى بما قسمه الله له يجد نفسه قادرًا على الصبر وتحمل المصاعب دون أن يفقد الأمل. 3. الدعاء والتضرع لله: فالدعاء هو سلاح المؤمن، وهو وسيلته للتواصل مع الله في كل وقت وحين، فعندما يدعو الإنسان الله بثقة ويقين، فإنه يشعر بأن هناك قوة عظمى تسانده وتحميه. 4. التوكل على الله مع العمل: فالأمل في الله لا يعني التواكل أو التوقف عن السعي، بل يجب أن نعمل بكل جد واجتهاد مع التوكل التام على الله، يقول النبي، صلى الله عليه وسلم: (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا). 5. التأمل في نعم الله وشكره: فعندما نتأمل في النعم التي أنعم الله بها علينا، نرى أنه على الرغم من التحديات، هناك جوانب مشرقة في حياتنا تدعونا إلى التفاؤل والاستمرار. 6. الصحبة الصالحة: وهذه من الوسائل التي تعين الإنسان على التمسك بالأمل في الله، لأنها تذكره به وتدعوه إلى الخير، فالإنسان يتأثر بمن حوله، والصديق الصالح هو الذي يعينه على مواجهة التحديات بالإيمان والصبر. 7. التعلم من تجارب الحياة: فكل تجربة يمر بها الإنسان، سواء كانت ناجحة أو فاشلة، تحمل في طياتها دروسًا وعبرًا، فالفشل ليس نهاية المطاف، بل هو بداية جديدة يمكن أن يبني عليها الإنسان خبراته ليصل إلى ما يطمح إليه. 8. التفاؤل بالمستقبل: فيجب أن يكون لدى الإنسان نظرة إيجابية للمستقبل، وأن يؤمن بأن القادم أجمل بإذن الله، والتفاؤل يحفز الإنسان على العمل والاجتهاد لتحقيق أهدافه. 9. الإحسان للآخرين: فمساعدة الآخرين والوقوف بجانبهم في أوقات الشدة يخلق في النفس شعورًا بالسعادة والطمأنينة، ويجعل الإنسان أقرب إلى الله. إن الأمل في الله عز وجل هو مفتاح السعادة والنجاح في الدنيا والآخرة، فمهما كانت التحديات والصعاب التي تواجهنا، يجب أن نتذكر أن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وأن رحمته أوسع منأيهمأوحزن.
678
| 28 يناير 2025
أحداث غزة بكل تفاصيلها، ومآسيها تجعلنا نستحضر قول الله عز وجل: (سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (الرعد: 24). وإن كان الحديث في مضمون الآية مرتبط بالنعيم الأبدي في الآخرة، إلا أن له ظلالا في واقع الشعب الغزّاوي الصامد الصابر. والصبر من أعظم صفات المؤمنين التي ورد ذكرها في القرآن الكريم مرارًا، وهو ليس مجرد تحمل للشدائد، بل هو موقف إيماني يُظهر مدى ثقة العبد بربه، والصابرون هم أولئك الذين يدركون أن هذه الدنيا دار ابتلاء، وأن الجزاء الحق يأتي في الآخرة، والصبر لا يعني فقط احتمال الألم أو الظلم، بل يتجلى في الصمود، والثبات على القيم والمبادئ، والتمسك بالحق في مواجهة الباطل. وعندما نتحدث عن الصبر، فإن أهل غزة يمثلون نموذجًا حيًا لهذه الفضيلة العظيمة، فقطاع غزة، تلك الأرض الصغيرة المحاصرة منذ سنوات طويلة، شهدت ولا تزال تشهد صنوفًا من العدوان والحصار والتدمير، ولكن أهلها ظلوا صابرين، صامدين، محتسبين، حامدين لله، عز وجل، على كل حال. أهل غزة واجهوا مكر اليهود ومن عاونهم بقلوب ثابتة، وأرواح معبأة بالإيمان، ولم يكن صبرهم مجرد استسلام للواقع، بل كان صبرًا إيجابيًا، مصحوبًا بالعمل والجهاد والمقاومة. لقد أدرك أهل غزة أن الصبر ليس فقط انتظارًا للخلاص، بل هو الإيمان بأن الله معهم، وأن نصره آتٍ لا محالة. وإلى جانب صبر أهل غزة، كانت المقاومة الفلسطينية العامل الأساس في التصدي لعدوان الاحتلال، والمقاومة ليست مجرد فعل عسكري، بل هي تعبير عن إرادة شعب لا يرضى بالذل، ولا يساوم على حقوقه. وقد استطاعت بعزمها وشجاعتها، أن تحقق إنجازات كبيرة، وأن تبعث برسالة واضحة للعالم: أن الحق يُنتزع بالقوة، وأن الشعوب التي تؤمن بحقها قادرة على صنع المعجزات. والتحام المقاومة مع الشعب الغزّي كان سببًا رئيسيًا في صد المؤامرات، فحين يرى العدو صمود أهل غزة، يدرك أنه أمام شعب لا يمكن كسره، هذا الصمود لم يكن ليتحقق إلا بفضل الله أولاً، ثم بفضل التضحيات الجسام التي قدّمها المقاومون، والالتفاف الشعبي حولهم. والاحتلال الإسرائيلي يعتمد سياسة المكر والخداع منذ نشأته، فقد حاولوا القضاء على عزيمة أهل غزة بأساليب متعددة: الحصار الاقتصادي، والعدوان العسكري، والقصف العشوائي، والتضييق على كل مقومات الحياة؛ لكنهم فشلوا في تحقيق أهدافهم لأنهم لم يدركوا قوة الإيمان والصبر. إضافة إلى ذلك، كان هناك من يعاون الاحتلال من أطراف دولية وإقليمية، ممن يسعون لتصفية القضية الفلسطينية، لكن الله، عز وجل، أحبط كيدهم، وجعل مؤامراتهم ترتد عليهم. فقد ورد في كتاب الله: (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (سورة آل عمران: 54)، وهذا ما نراه بوضوح في غزة؛ فكل محاولة للعدو لفرض سيطرته التامة تواجه بإرادة أقوى من الحديد. إن صبر أهل غزة وتضحياتهم لم تذهب سدى، بل كانت سببًا في نصر الله لهم، ففي أصعب اللحظات، كانت يد الله واضحة في حماية هذا الشعب الصامد، سواء من خلال التصدي للعدوان العسكري، أو من خلال فشل محاولات الاحتلال لزرع اليأس والانقسام بين أبناء الشعب الفلسطيني. النصر في غزة هو دليل على أن المعركة ليست فقط معركة أسلحة، بل هي معركة إرادات، والإرادة التي تستمد قوتها من الإيمان بالله لا يمكن أن تُهزم، فقد قال الله تعالى: (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد: 7)، وأهل غزة، بصبرهم وإيمانهم، استحقوا هذا النصر. اللهم اجعلنا من الصابرين المحتسبين، وامنح أهلنا في غزة مزيدًا من الصبر والثبات، وانصرهم على عدوهم يا قوي يا متين.
876
| 20 يناير 2025
ما أجمل وأحسن أن يلجأ الإنسان إلى رب العالمين في كل أموره، ويُسند أمره لله فيما يقابله من تحديات أو صعوبات، وهذا هو مبدأ التفويض الذي يجب أن نأنس به في كل أحوالنا، وأن نعتمد على الله في كل أمورنا. والتفويض إلى الله هو قمة الإيمان والتوكل عليه، ويعني تسليم الأمر كله لله، عز وجل، مع الأخذ بالأسباب، والإيمان بأن ما كتبه الله للعبد هو خير له، سواء علم ذلك أم لم يعلمه. والتفويض في القرآن الكريم ورد بعبارة صريحة في قول الله تعالى على لسان مؤمن آل فرعون: (يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِن جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ... وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) (غافر: 29-44). هذا الرجل المؤمن كان في موقف حرج، فهو يعيش بين قوم كافرين وعلى رأسهم طاغية مثل فرعون، لكنه لم يخف ولم يتراجع عن نصرة الحق، بل سلّم أمره لله ووثق بأن الله بصير بحاله، ويعلم ما يواجهه من تحديات، وما يلاقيه من ظلم واضطهاد. وأكدت السنة النبوية على أهمية التفويض في حياة المؤمن، ومن أبرز الأحاديث التي تدل على ذلك، ما ورد عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدَّر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان). هذا الحديث يربط بين الأخذ بالأسباب وبين التسليم لله فيما بعد وقوع الأمر، فالتفويض لا يعني ترك العمل أو التقاعس، بل يعني أن يعمل العبد جهده ثم يترك النتائج بيد الله، راضيًا بحكمه وقضائه. ومن المواقف المليئة بالتفويض والتسليم لله: حينما أمر الله موسى بالخروج مع بني إسرائيل، وجد نفسه أمام البحر ومن خلفه جيش فرعون، كان الموقف صعبًا للغاية، لكن موسى، عليه السلام، قال بثقة ويقين: (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) (الشعراء: 62)، هذا هو التفويض الحقيقي، أن ترى الخطر قريبًا منك، لكنك تثق بأن الله لن يخذلك. وعندما أُلقي إبراهيم، عليه السلام، في النار، لم يتردد في تسليم أمره لله، فقال: «حسبنا الله ونعم الوكيل». فكانت النتيجة أن قال الله للنار: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ) (الأنبياء: 69). هنا يظهر كيف أن التفويض لله يجلب النجاة حتى في أحلك الظروف. وفي غزوة الأحزاب، عندما اجتمعت قوى الكفر لتحاصر المدينة، قال النبي، صلى الله عليه وسلم: «اللهم أنت عضدي وأنت نصيري، بك أحول وبك أصول وبك أقاتل». وقد أظهر الله قدرته حين هزم الأحزاب بريح شديدة وملائكة لم تُرَ. وللتفويض أثره على النفس، حيث يجعل الإنسان في حالة طمأنينة داخلية لأنه يعلم أن الله يدبر له الأمور بحكمته، وعندما يسلم المؤمن أمره لله، يتخلص من الشعور بالقلق والخوف من المستقبل، والتفويض جزء من التوكل، وهو أن تأخذ بالأسباب، وتترك النتائج لله. ومن النماذج البارزة في حياة الصالحين؛ الإمام أحمد بن حنبل حين سُجن وعُذب في محنة خلق القرآن، كان يقول: «إن كان الحق معي فالله سينصرني، وإن لم يكن معي فلا خير لي في الانتصار»، وقد رفع الله ذكره وخلّده، وأثبت له الحق على مر العصور. ومن أجمل الأدعية التي تُقال في التفويض: «اللهم إني أسلمت نفسي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك».
516
| 13 يناير 2025
خلق الله الإنسان لعبادته وحده لا شريك له، وجعل الأعمال الصالحة وسيلة لتحقيق السعادة في الدنيا والآخرة، وتتفاوت هذه الأعمال من حيث فضلها وأثرها على الفرد والمجتمع، ومن حيث رضا الله بها. ومن أفضل الأعمال إلى الله، عز وجل، من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية: - الإيمان بالله تعالى وتوحيده؛ قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا) (الكهف: 107)، فالإيمان هو الأساس الذي تُبنى عليه جميع الأعمال، وهو ما يميز المسلم عن غيره، ويتضمن الإيمان بالله الإيمان بأسمائه، وصفاته، وأفعاله، وأنه المستحق وحده للعبادة دون سواه. - والصلاة هي عمود الدين وأهم أركان الإسلام بعد الشهادتين، قال النبي، صلى الله عليه وسلم: (رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله)، والصلاة هي صلة بين العبد وربه، وهي مفتاح للسكينة والطمأنينة، وأول ما يُحاسب عليه العبد يوم القيامة. - وبر الوالدين من أعظم القربات إلى الله، قال الله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) (الإسراء: 23)، وقد سُئل النبي، صلى الله عليه وسلم، عن أحب الأعمال إلى الله فقال: (الصلاة على وقتها)، قيل: ثم أي؟ قال: (بر الوالدين)، وبر الوالدين يشمل الإحسان إليهما، وخفض الجناح لهما، والدعاء لهما، وخدمتهما في حياتهما، وبعد موتهما. - والجهاد في سبيل الله هو بذل النفس والمال؛ لإعلاء كلمة الله، وهو من أعظم الأعمال التي يحبها الله، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) (التوبة: 111)، وقال النبي، صلى الله عليه وسلم: (للجنة أبواب، وإن الجهاد باب من أبواب الجنة)، ويشمل الجهاد الدفاع عن الإسلام والمسلمين، ونشر الخير، والعدل في الأرض. - والصدقة من الأعمال التي يحبها الله، ولها أثر عظيم في تطهير النفس وزيادة البركة، قال الله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ) (البقرة: 261)، وقال النبي، صلى الله عليه وسلم: (ما نقص مال من صدقة)، وتشمل الصدقة: المال، والطعام، والملابس، وحتى الابتسامة في وجه الآخرين. - وطلب العلم من أفضل القربات وأحبها إلى الله، لأنه وسيلة لمعرفة الله وعبادته على بصيرة. قال النبي، صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهل الله له به طريقًا إلى الجنة)، والعلم يرفع صاحبه في الدنيا والآخرة، ويجعله مصدر خير للمجتمع، وسببًا لنشر الهداية. - وحسن الخلق من أعظم الأعمال التي تُقرب العبد من الله، قال، صلى الله عليه وسلم: (إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا)، وحسن الخلق يشمل الصدق، والأمانة، والتواضع، والصبر، والرحمة. - والصيام من أعظم العبادات التي يحبها الله، قال الله تعالى في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به)، والصيام يطهر النفس، ويكسر الشهوات، ويُعلّم الصبر. - وذكر الله من أفضل الأعمال وأيسرها، قال الله تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) (البقرة: 152). وقال النبي، صلى الله عليه وسلم: (أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)، والذكر يطمئن القلوب، ويزيد الإيمان، ويُقرب العبد من ربه. - والإحسان إلى الناس من الأعمال التي يحبها الله، قال النبي، صلى الله عليه وسلم: (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم)، والإحسان يشمل تقديم المساعدة، وقضاء الحاجات، والتخفيف عن المحتاجين، والإصلاح بين الناس. - والتوبة من أفضل الأعمال إلى الله، وهي سبب لمغفرة الذنوب، وقبول الأعمال، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة: 222)، وقال النبي، صلى الله عليه وسلم: (والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة). إن أفضل الأعمال إلى الله تتنوع بين العبادات الفردية والجماعية، وبين الأقوال والأفعال، وبين العبادات القلبية والجسدية، المهم أن تكون النية خالصة لله، وأن يكون العمل موافقًا لما شرعه الله، فاحرص على اغتنام كل لحظة في حياتك لتقربك من الله، فإن الدنيا مزرعة الآخرة، ومن زرع خيرًا وجد الثمار، ومن زرع غير ذلك ندم حين لا ينفع الندم.
597
| 06 يناير 2025
مع بداية عام إداري جديد، تتجدد لدى الكثير منا مشاعر الأمل، والتفاؤل، والطموح لتحسين حياتنا على مختلف المستويات الشخصية، والمجتمعية. ويُعد استقبال العام الجديد فرصة ذهبية لإعادة النظر فيما مضى، واستثمار طاقة البدايات لإحداث تغييرات إيجابية ملموسة، على المستويات الشخصية، والمهنية، والعلاقات الاجتماعية. قبل أن نبدأ صفحة جديدة، من الضروري أن نتوقف قليلاً لمراجعة انجازاتنا، وأخطائنا من خلال وضع قائمة بالأمور التي نجحنا في تحقيقها خلال العام الماضي، والأمور التي لم نتمكن من إنجازها، والأسباب التي أدت لذلك. سيساعد هذا التقييم على إدراك نقاط قوتك، ونقاط الضعف التي تحتاج إلى العمل عليها، وتحديد الأهداف الواقعية، من خلال وضع أهداف وطموحات جديدة، ومن الأهمية بمكان هو التأكد من أن الأهداف التي تضعها واقعية، وقابلة للقياس، ويمكن السير في التغيير على مستويات عدة: التغيير للأفضل على المستوى الشخصي، من خلال الاهتمام بالصحة البدنية، والنفسية، فالصحة هي أساس النجاح في أي جانب من جوانب الحياة، فاحرص على وضع خطة تشمل تحسين عاداتك الغذائية، وممارسة التمارين الرياضية بانتظام، والاهتمام بصحتك النفسية من خلال تخصيص وقت للاسترخاء والتأمل. واستثمار الوقت في تعلم شيء جديد يفتح أمامك آفاقًا واسعة، سواء كنت ترغب في تعلم لغة جديدة، ومهارة تقنية، أو حتى حرفة يدوية، فإن التعلم يعزز ثقتك بنفسك، ويمنحك شعورًا بالإنجاز. وغالبًا ما تكون إدارة الوقت هي مفتاح تحقيق الأهداف، فقم بوضع جدول يومي، أو أسبوعي ينظم مهامك، ويساعدك على تحقيق توازن بين العمل، والحياة الشخصية. التغيير على المستوى المهني، من خلال وضع خطة واضحة لما ترغب في تحقيقه في مجال عملك خلال العام الجديد، وهل ترغب في الحصول على ترقية؟ أو اكتساب مهارة جديدة؟ أو ربما تغيير مجال عملك بالكامل؟ حدد هذه الطموحات، وابدأ في اتخاذ خطوات عملية لتحقيقها. خصص وقتًا لتطوير مهاراتك المهنية من خلال الدورات التدريبية، والقراءة، أو حتى التفاعل مع زملاء أكثر خبرة، والتعلم المستمر يضمن لك البقاء على اطلاع بأحدث التوجهات في مجال عملك، وكذلك بناء علاقات مهنية قوية يفتح أبوابًا جديدة، حاول حضور المؤتمرات، وورش العمل، والفعاليات التي تجمعك بأشخاص يشاركونك نفس الاهتمامات المهنية. التغيير على مستوى العلاقات الاجتماعية، وهي تُعد من أهم مصادر السعادة والدعم، ويمكن أن تخصص وقتًا للجلوس مع أسرتك، وأصدقائك، وتحدث معهم بصدق وشفافية، وحاول تقوية روابطك الاجتماعية من خلال تقديم الدعم، والمساندة لمن يحتاجها. ولا يقتصر التغيير الإيجابي على حياتك الشخصية فقط، بل يمتد ليشمل مجتمعك، وعليه فكر في كيفية تقديم المساعدة للآخرين، سواء من خلال التطوع في الجمعيات الخيرية، أو تقديم خبراتك لدعم مبادرات تخدم المجتمع، واعمل على تحسين مهارات التواصل لديك من خلال الاستماع الجيد، والتعبير عن مشاعرك بوضوح، وتجنب النزاعات قدر الإمكان. التغيير على المستوى الروحي والأخلاقي، اجعل من العام الجديد فرصة لتعزيز إيمانك، وتقوية علاقتك بالله من خلال الصلاة، والتأمل، والتفكر في نعم الله عليك، فالروحانية تضفي على حياتك شعورًا بالسكينة والطمأنينة. وحاول أن تجعل من العام الجديد مناسبة للعمل على تحسين أخلاقك، مثل التحلي بالصبر، والصدق، والتسامح، فالقيم الإيجابية ليست فقط مصدرًا للرضا الشخصي، بل تجعل منك قدوة حسنة لمن حولك. خصص وقتًا يوميًا للتفكير في الأشياء التي تشعر بالامتنان تجاهها، هذا التمرين البسيط يعزز من سعادتك، ويذكرك بالأمور الإيجابية في حياتك. إن استقبال العام الجديد هو فرصة ثمينة لإعادة ترتيب أولوياتنا، والعمل على تحسين حياتنا، وحياة من حولنا، من خلال التخطيط الجيد، والالتزام بالتغيير، والتحلي بروح الإيجابية، يمكننا تحويل أحلامنا إلى واقع ملموس، وتذكر أن رحلة التغيير تبدأ بخطوة صغيرة، ولكن هذه الخطوة يمكن أن تصنع فارقًا كبيرًا، واجعل من العام الجديد صفحة مشرقة مليئة بالتحديات والإنجازات، وابدأ يومك الأول بأمل، وتفاؤل ليكون عامًا مليئًا بالنجاح والتميز. دمتم بخير.
732
| 30 ديسمبر 2024
إن ما يحدث اليوم في قطاع غزة ليس مجرد حدث طارئ، أو أزمة عابرة، بل هو جرح متجدد في ضمير الإنسانية بأكملها، حيث تُرتكب جرائم ممنهجة، وانتهاكات صارخة للقانون الدولي، ولأبسط حقوق الإنسان على مرأى ومسمع من العالم أجمع. تتكرر المجازر، ويُقصف الأطفال، والنساء، والشيوخ دون تمييز، وتُهدم البيوت فوق رؤوس ساكنيها، ويُحاصر المدنيون في ظروف لا إنسانية، ومع كل ذلك يبقى الموقف العالمي بين الصمت المُخجل والتنديد البارد الذي لا يرقى إلى مستوى المسؤولية الأخلاقية والإنسانية. ازدواجية المعايير الدولية العالم اليوم يشهد ازدواجية واضحة في تعامله مع القضايا الإنسانية والعدالة الدولية، ففي حين يتسابق المجتمع الدولي لفرض عقوبات صارمة وتحركات دبلوماسية واسعة ضد دول أو شعوب معينة تحت ذرائع حقوق الإنسان، نرى صمتًا مريبًا، وتغاضيًا غير مبرر عن الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني. إن هذا الصمت ليس فقط تواطؤًا مع الاحتلال الإسرائيلي، بل هو مشاركة غير مباشرة في هذه الجرائم. كثير من الدول الكبرى، التي تتغنى بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، تُقدّم الدعم الكامل لإسرائيل سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، ما يمنحها غطاءً دوليًا للاستمرار في ارتكاب المزيد من الجرائم دون خوف من المحاسبة؛ فمجلس الأمن، الذي يُفترض أن يكون الحارس الأول للأمن والسلام الدوليين، قد تحول إلى مسرح للعرقلة والفيتو كلما اقترب الأمر من إدانة إسرائيل، أو محاسبتها. ولا يمكننا في ذات الوقت أن نتجاهل الدور الذي يلعبه الإعلام العالمي في تشكيل الرأي العام وتوجيهه، فالإعلام الغربي، في معظمه، يتبنى سرديات منحازة ويغض الطرف عن معاناة الفلسطينيين، بل في كثير من الأحيان يصور المعتدي كضحية. هذا الانحياز يُعمّق الهوة بين ما يحدث على أرض الواقع وما يراه العالم، مما يساهم في استمرار المأساة دون ضغط شعبي كافٍ لوقفها. ولكن مع ذلك، فإن دور الإعلام البديل، الذي يتبناه ناشطون وصحفيون مستقلون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح منارةً لكشف الحقيقة ونقل أصوات الفلسطينيين إلى العالم أجمع. متى تتحرك الشعوب لإنقاذ المستضعفين؟ إن الشعوب قد تكون أكثر وعيًا وحساسية تجاه ما يحدث مقارنة بالحكومات التي تتأرجح مصالحها بين التحالفات الدولية والضغوط السياسية. ومع كل مأساة جديدة في غزة، نشهد مظاهرات ووقفات احتجاجية في مختلف دول العالم، حيث يخرج الملايين من أحرار الشعوب ليُعبروا عن غضبهم، ورفضهم للعدوان الإسرائيلي، ووقوفهم إلى جانب المستضعفين.غير أن هذه التحركات الشعبية، رغم رمزيتها الكبيرة، لا تزال تفتقر إلى الفاعلية اللازمة لإحداث تغيير حقيقي على الأرض، فالمظاهرات وحدها لا تكفي إذا لم تترافق مع خطوات عملية مثل الضغط الاقتصادي عبر المقاطعة الشاملة للمنتجات الإسرائيلية والدول الداعمة لها. لقد أثبت التاريخ أن الشعوب حينما تُقرر التحرك بقوة وحزم، تستطيع قلب الموازين، لكن هذا يتطلب إرادة جماعية، واستمرارًا في النضال على مختلف المستويات.إن المأساة في غزة ليست مجرد معركة عسكرية، بل هي صراع وجودي بين الحق والباطل، بين مقاومة شعب يناضل من أجل حريته وكرامته، وقوة احتلال لا تتورع عن استخدام أقسى أنواع البطش والقمع. الدور المطلوب والفاعل لنصرة فلسطين على الحكومات العربية والإسلامية أن تخرج من دائرة البيانات الشكلية إلى مواقف أكثر جرأة وفاعلية، عبر الضغط في المحافل الدولية، وتفعيل أدوات القانون الدولي لمحاسبة إسرائيل على جرائمها. والمؤسسات الحقوقية مطالبة بالعمل الدؤوب لتوثيق الجرائم، ورفع الدعاوى أمام المحاكم الدولية لكشف حقيقة ما يحدث للعالم، وإجبار الاحتلال على تحمل تبعات أفعاله. إن الصمت العالمي تجاه ما يحدث في غزة يُثبت أن القيم الإنسانية قد أصبحت مجرد شعارات تُستخدم لتحقيق المصالح السياسية والاقتصادية. ومع ذلك، فإن الأمل في الشعوب الحرة، وفي صمود الفلسطينيين الذي يُثبت يومًا بعد يوم أن الاحتلال لا يمكن أن يستمر إلى الأبد ربما يستغرق الأمر وقتًا، لكن التاريخ علّمنا أن الظلم مهما طال عمره، لابد أن يزول، وأن الشعوب التي تُصر على حريتها وكرامتها ستنتصر في النهاية، وستبقى غزة رمزًا للصمود والتحدي في وجه الطغيان، ووصمة عار في جبين كل من تواطأ، أو صمت عن هذه الجرائم.
486
| 23 ديسمبر 2024
تُعد عودة سوريا إلى السوريين حلمًا طال انتظاره بعد سنوات من الصراع، والدمار الذي خلّفه حكم بشار الأسد، فمنذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، شهدت البلاد معاناة عميقة نتيجة القمع الوحشي للنظام، والتدخلات الخارجية، والصراعات المسلحة التي أرهقت الشعب السوري، ودمرت البنية التحتية للبلاد. ومع خلع بشار الأسد، تفتح سوريا صفحة جديدة تُتيح للسوريين استعادة وطنهم، والعمل على بناء مستقبل أكثر إشراقًا. لكن هذه المرحلة تفرض تحديات كبيرة، وتستلزم دورًا محوريًا من كل الأطراف لتحقيق المصالحة الوطنية، وإعادة الإعمار. مرحلة ما بعد خلع النظام.. تحديات الحاضر وآمال المستقبل بعد خلع بشار الأسد، ستواجه سوريا جملة من التحديات التي تتطلب جهودًا جماعية من الشعب السوري، والمجتمع الدولي، منها: . تحقيق الاستقرار السياسي: من خلال تأسيس حكومة انتقالية تُمثّل كافة أطياف الشعب السوري، بعيدًا عن النزاعات الطائفية، أو الأيديولوجية. ويجب أن تكون هذه الحكومة قادرة على إدارة المرحلة الانتقالية بفعالية، من خلال وضع دستور جديد يضمن الحريات، والعدالة، والمساواة. . إعادة الإعمار الاقتصادي والبنية التحتية: فالحرب تركت دمارًا هائلًا في المدن السورية، ويحتاج السوريون إلى خطط إعادة إعمار طويلة الأمد تشمل تأهيل المدن، وبناء المرافق العامة، واستعادة الخدمات الأساسية؛ مثل: الصحة والتعليم. ويمكن أن يكون للمجتمع الدولي دور كبير في توفير الدعم المالي، والخبرات الفنية لتحقيق ذلك. . مواجهة الانقسامات الاجتماعية: فالحرب لم تكن فقط صراعًا سياسيًا، بل عمّقت الانقسامات الاجتماعية والطائفية بين السوريين، ويجب أن تسود جهود المصالحة الوطنية على أي اعتبار آخر، من خلال حوارات شاملة، وبرامج دعم نفسي، ومجتمعي للمتضررين. . عودة اللاجئين والنازحين: فأكثر من نصف الشعب السوري أصبح نازحًا أو لاجئًا، ومن ثمّ عودة هؤلاء إلى ديارهم تتطلب توفير الأمن والخدمات الأساسية، إضافة إلى ضمان حقوقهم في المشاركة في إعادة بناء سوريا الجديدة. . التعامل مع المجموعات المسلحة والمناطق الخارجة عن السيطرة: فوجود المليشيات المسلحة، والجماعات المتطرفة يمثل تحديًا أمنيًا كبيرًا. لذا، ينبغي العمل على تفكيك هذه الجماعات، ودمج الأفراد الراغبين في العودة إلى الحياة المدنية في برامج تأهيل اجتماعي، واقتصادي. والدور المطلوب من السوريين في المرحلة القادمة هو: تعزيز الوحدة الوطنية: تحتاج سوريا الجديدة إلى طي صفحة الماضي المظلم، والابتعاد عن النزاعات الطائفية والعرقية. السوريون مطالبون بالعمل سويًا كمواطنين تجمعهم رؤية واحدة لمستقبل وطنهم. . دعم الديمقراطية وسيادة القانون: الديمقراطية هي الأساس الذي يمكن أن تُبنى عليه دولة سورية حديثة، ويتطلب ذلك احترام حقوق الإنسان، وإجراء انتخابات نزيهة، وإرساء نظام قضائي عادل. . إعادة بناء المجتمع المدني: فالمنظمات غير الحكومية والجمعيات الأهلية لها دور مهم في تقديم المساعدات، وتعزيز الحوار المجتمعي، ودعم مشاريع التنمية المستدامة. . الاستثمار في التعليم والتنمية البشرية: فالتعليم هو مفتاح بناء الأجيال القادمة، ومن ثمّ يجب التركيز على إصلاح النظام التعليمي ليواكب التحديات الجديدة، مع توفير فرص تدريب، وتأهيل للشباب السوري لدخول سوق العمل، والمساهمة في بناء الوطن. . تعزيز دور المرأة والشباب: المرأة والشباب يمثلان شريحة كبيرة ومهمة في المجتمع السوري، فيجب إشراكهم في الحياة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية لتحقيق التنمية الشاملة. إن إعادة بناء سوريا لا تقع على عاتق السوريين وحدهم؛ فالمجتمع الدولي يتحمل مسؤولية كبيرة في تقديم الدعم اللازم للبلاد، يشمل ذلك: تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة للمتضررين، ودعم عمليات المصالحة الوطنية والحوار السياسي، وتوفير التمويل والخبرات لإعادة الإعمار، ومساعدة سوريا في التخلص من النفوذ الأجنبي والتدخلات العسكرية الخارجية. أقول: إن عودة سوريا إلى السوريين بعد خلع بشار الأسد تمثل فرصة فريدة لإعادة بناء وطن يقوم على أسس العدالة، والحرية، والديمقراطية. ورغم التحديات الكبيرة، فإن إرادة الشعب السوري، وقدرته على الصمود تشكل الركيزة الأساسية لتحقيق هذا الهدف، ويتطلب النجاح تعاون الجميع، من الداخل والخارج، لتحقيق الحلم السوري بوطن آمن، ومستقر يليق بتضحيات أبنائه.
564
| 16 ديسمبر 2024
شهد العالم تغيرات جذرية في العقود الأخيرة، حيث تعرضت الأسرة لتحديات كبيرة بسبب التأثيرات الغربية، التي أدت إلى تحولات عميقة في البنية الأسرية والقيم الاجتماعية. ففي حين كانت الأسرة التقليدية قائمة على الزواج بين الرجل والمرأة، والاعتماد المتبادل بين أفراد الأسرة، شهدت المجتمعات الغربية تحولات كبيرة نتيجة الثورة الصناعية، والتحولات الفكرية، والاجتماعية، وبدأت الأفكار الفردانية بالانتشار، حيث أصبح التركيز على الفرد وحقوقه أكثر من التركيز على الأسرة كمؤسسة جماعية. والفكر الفرداني هو أحد أعمدة الثقافة الغربية الحديثة، حيث يركز هذا الفكر على حقوق الفرد وحرياته، دون اعتبار كافٍ للتوازن الذي توفره الأسرة. وبدأ هذا الاتجاه بالظهور منذ عصر التنوير، وتعزز مع الحركات النسوية، التي سعت لتحرير المرأة من أدوارها التقليدية في الأسرة. وعلى الرغم من المكاسب المهمة التي حققتها المرأة، إلا أن التركيز المفرط على الاستقلال الفردي أدى إلى إضعاف الروابط الأسرية. وفي ستينيات القرن العشرين كانت الثورة الجنسية نقطة تحول كبيرة في تفكيك الأسرة التقليدية، حيث شجعت هذه الثورة على الحرية الجنسية خارج إطار الزواج، مما أدى إلى انتشار العلاقات غير الشرعية، وزيادة معدلات الطلاق، وانخفاض الالتزام بالزواج كعقد اجتماعي. علاوة على ذلك، ساهمت الثورة الجنسية في تغيير النظرة إلى الأسرة، حيث أصبح يُنظر إليها على أنها قيد على الحريات الفردية. كما لعبت وسائل الإعلام الغربية دورًا كبيرًا في نشر أفكار تتعارض مع القيم الأسرية التقليدية، فالأفلام والمسلسلات تُظهر الأسرة التقليدية في كثير من الأحيان ككيان قمعي، بينما تُبرز الأفراد المستقلين الذين يتحدون الأعراف الاجتماعية كأبطال. علاوة على ذلك، يتم الترويج لنماذج أسرية غير تقليدية كأمر طبيعي أو حتى مثالي، مما أدى إلى زعزعة مفهوم الأسرة لدى الأجيال الصاعدة. وساهمت القوانين والتشريعات الغربية، أيضًا، في تفكيك الأسرة، على سبيل المثال، قوانين الطلاق أصبحت أكثر سهولة، مما أدى إلى زيادة معدلات الطلاق بشكل كبير. إضافة إلى ذلك، تم تقنين المثلية الجنسية، والزواج المثلي في العديد من الدول الغربية، مما أدى إلى تغييرات كبيرة في بنية الأسرة التقليدية. كذلك النظام التعليمي الغربي ساهم في تشكيل عقول الأجيال الجديدة وفقًا لأفكار بعيدة عن القيم الأسرية التقليدية، حيث يتم تعليم الأطفال في سن مبكرة مفاهيم تتعلق بالجندر والهوية الجنسية التي تتناقض مع القيم الأسرية المحافظة. هذا أدى إلى نشوء أجيال غير متصالحة مع فكرة الأسرة التقليدية. كل ذلك كان له تأثيرات سلبية أدت إلى تدمير الأسرة، منها: 1. تدهور العلاقات الإنسانية؛ فمع تراجع دور الأسرة، ازدادت حالات العزلة الاجتماعية والوحدة، فالأسرة كانت دائمًا مصدرًا للدعم العاطفي والاجتماعي، ومع غياب هذا الدعم، أصبحت المجتمعات تعاني من تفشي مشكلات مثل الاكتئاب والقلق. 2. زيادة معدلات الجريمة والانحراف؛ حيث أثبتت الأبحاث أن الأطفال الذين ينشأون في أسر مفككة أكثر عرضة للجنوح والجريمة. فالأسرة توفر بيئة آمنة وموجهة لتربية الأطفال، ومع غياب هذا الدور، يواجه الأطفال صعوبات في التأقلم مع المجتمع. 3. انهيار القيم الأخلاقية؛ فالقيم الأخلاقية كانت تُنقل عبر الأجيال من خلال الأسرة. ومع تراجع دور الأسرة، أصبحت الأجيال الجديدة أكثر عرضة للتأثيرات السلبية من وسائل الإعلام والثقافة الشعبية. 4. أزمة الهوية؛ فتدمير الأسرة أدى إلى خلق أجيال تعاني من أزمة هوية. والأسرة كانت دائمًا مصدرًا للانتماء والهوية، ومع غياب هذا المصدر، يشعر الأفراد بالضياع. وقد ظهرت مقاومة ومحاولات للحفاظ على الأسرة؛ منها: 1. الحركات المحافظة في العديد من الدول لمواجهة التأثيرات الغربية على الأسرة، هذه الحركات تسعى للحفاظ على القيم التقليدية وتعزيز دور الأسرة. 2. التعليم والإعلام؛ فالعديد من المجتمعات بدأت تستخدم التعليم والإعلام لنشر الوعي بأهمية الأسرة ودورها في بناء المجتمع، والتركيز على القيم الأسرية أصبح جزءًا من السياسات التعليمية في بعض الدول. 3. العودة إلى الدين؛ لأن الدين كان دائمًا مصدرًا للقيم والأخلاق، والعديد من الأفراد والجماعات يجدون في العودة إلى الدين وسيلة لحماية الأسرة من التدمير.
1263
| 09 ديسمبر 2024
تُعدُّ الأسرة اللبنة الأساسية في بناء المجتمع، فهي الحاضنة الأولى التي ينشأ فيها الفرد، والركيزة التي تساهم بشكل كبير في تشكيل شخصيته وقيمه. وعندما يتعلق الأمر بالشباب، الذين يُعدّون عماد الأمة وركيزة مستقبلها، يبرز دور الأسرة في إعدادهم إعدادًا صالحًا يمكنهم من مواجهة تحديات الحياة، وبناء مجتمعات متماسكة، ومتقدمة. وتتجلى أهمية الأسرة في تشكيل شخصية الشباب من خلال: 1. تعليم القيم الأخلاقية والدينية، وكيفية التصرف بطريقة أخلاقية، وغرس القيم مثل الصدق، والأمانة، والاحترام، وحب العمل، وهذه القيم تُزرع في نفوس الأبناء منذ الصغر. 2. تنمية الثقة بالنفس، من خلال التشجيع المستمر والدعم، فالأسرة هي التي تمنح الأبناء الشعور بالثقة بقدراتهم، هذا الشعور أساسي لتمكينهم من مواجهة تحديات الحياة واتخاذ القرارات السليمة. 3. القدوة الحسنة، فالأبوان هما النموذج الأول الذي يحتذي به الأبناء، فعندما يظهر الوالدان سلوكيات إيجابية مثل: الالتزام، والصبر، والتعاون، فإن الأبناء يتعلمون تلك السلوكيات بشكل غير مباشر. دور الأسرة في توجيه الشباب فترة الشباب هي المرحلة التي يبدأ فيها الفرد بالبحث عن هويته والانخراط في المجتمع، لذا، فإن دور الأسرة يصبح أكثر حساسية وأهمية، من خلال: 1. توفير بيئة مستقرة وداعمة، فالشباب يحتاجون إلى بيئة أسرية مستقرة تساعدهم على النمو النفسي والاجتماعي، والأسرة التي توفر دعمًا نفسيًا وتفهمًا تُعين الشباب على تجاوز التحديات والصعوبات التي قد يواجهونها، مثل: الضغوط الدراسية، أو الاجتماعية. 2. بناء علاقة قائمة على الحوار، فالشباب في هذه المرحلة يميلون إلى الاستقلالية واتخاذ قراراتهم بأنفسهم. هنا يأتي دور الأسرة في إقامة حوار مفتوح معهم، حيث يمكنهم التعبير عن أفكارهم ومشاعرهم دون خوف من الانتقاد. 3. توجيههم لاستخدام التكنولوجيا بشكل مسؤول، ففي ظل الثورة الرقمية الحالية، أصبح الشباب أكثر ارتباطًا بالتكنولوجيا، وهنا يقع على عاتق الأسرة توجيههم لاستخدام هذه الوسائل بشكل إيجابي. 4. تعزيز قيمة التعليم والعمل، لأن التعليم هو المفتاح الأساس لبناء جيل صالح، وتقدير قيمة العلم يساهم في إعدادهم لمستقبل أفضل، كما أن غرس حب العمل والاعتماد على النفس فيهم يساعدهم على أن يكونوا أفرادًا منتجين، ومسؤولين. 5. تحفيزهم على المشاركة المجتمعية، فالشباب يحتاجون إلى الإحساس بأنهم جزء من مجتمع أكبر، من خلال تحفيزهم على الانخراط في الأنشطة الاجتماعية والخيرية، لغرس روح التعاون، والمواطنة الصالحة. التحديات التي تواجه الأسرة في إعداد الشباب على الرغم من أهمية دور الأسرة، إلا أنها تواجه العديد من التحديات التي قد تعيق دورها في إعداد جيل صالح، منها: 1. التغيرات الاجتماعية السريعة، فمع التحولات الكبيرة التي يشهدها العالم، قد تجد الأسر صعوبة في مواكبة تلك التغيرات، وتقديم التوجيه المناسب. 2. انشغال الوالدين بتوفير الاحتياجات المادية قد يؤدي إلى تقصير في التواصل مع الأبناء، وتربيتهم. 3. يمكن أن تؤثر وسائل الإعلام بشكل كبير على أفكار وسلوكيات الشباب، مما يستدعي من الأسرة مراقبة ما يتعرض له الأبناء. 4. ضعف القيم الدينية والأخلاقية في بعض المجتمعات، قد يؤدي إلى انحراف الشباب، وابتعادهم عن الطريق السوي. كيفية مواجهة التحديات للتغلب على هذه التحديات، يجب على الأسرة: 1. التمسك بالقيم والمبادئ الأساسية، مهما كانت التغيرات المحيطة، فيجب أن تظل القيم الدينية والأخلاقية هي الأساس الذي تعتمد عليه الأسرة في تربية أبنائها. 2. تعزيز التواصل العائلي، من خلال قضاء وقت أطول مع الأبناء ومناقشتهم في أمور حياتهم، وهذا يعزز من شعورهم بالانتماء للأسرة. 3. التعليم المستمر للوالدين، والاستفادة من الدورات والورش التربوية لاكتساب مهارات جديدة تساعدهم في تربية الأبناء. 4. التعاون مع المؤسسات التربوية والاجتماعية، من خلال الشراكة مع المدارس والمجتمعات المحلية، ويمكن للأسرة أن تحصل على الدعم اللازم لتوجيه الشباب بشكل سليم. إن دور الأسرة في إعداد جيل صالح لا يمكن أن يُختصر في مجرد تقديم الاحتياجات الأساسية، بل هو دور شامل يتطلب الحب، والفهم، والتوجيه، والمتابعة المستمرة، فالشباب هم أمل المستقبل، والأسرة هي المنبع الذي يغذّي هذا الأمل بالقيم والمهارات التي تمكنهم من بناء مجتمعات قوية ومزدهرة، وإذا ما أدركت الأسرة مسؤوليتها تجاه الشباب، وعملت بجد لتقديم الدعم والتوجيه، فإنها بذلك تساهم في نهضة أمتها وضمان مستقبل مشرق لها.
2007
| 02 ديسمبر 2024
تلعب فئة الشباب دورًا محوريًّا في نهضة الأمم وتقدمها، فهم عماد الأمة وحاملو لواء مستقبلها، إذ يمتلكون الطاقة والحيوية والإبداع اللازم لتحقيق التطور والابتكار، وإذا ما أُحسن استثمار طاقاتهم وتوجيهها بشكل صحيح، يمكن للشباب أن يقودوا الأمة نحو آفاق جديدة من التقدم والتنمية. فالشباب يمتلكون طاقة متجددة تمكنهم من العمل الدؤوب والسعي لتحقيق الأهداف، هذه الطاقة تجعلهم قادرين على مواجهة التحديات، وتحقيق الإنجازات التي تعود بالنفع على المجتمع. ويتميز الشباب بالتفكير الخلاق والقدرة على تقديم حلول مبتكرة للمشاكل القائمة، مما يساهم في تطوير المجتمع والنهوض به، وهم أكثر الفئات استعدادًا للتغيير ومواجهة العادات السلبية والتقاليد البالية، ودورهم في المطالبة بالإصلاحات الاجتماعية والسياسية يجعلهم قوة لا يمكن تجاهلها في أي مجتمع. * من الأمور المهمة التي تساهم في تمكين الشباب، لحمل الراية وتحمل المسؤولية: 1. التعليم والتأهيل؛ فالتعليم هو حجر الأساس لتمكين الشباب، ويجب توفير أنظمة تعليمية متطورة تُركز على بناء القدرات الفردية وتنمية المهارات العملية، إضافة إلى ذلك، يمكن تقديم برامج تدريبية متخصصة لتأهيلهم لسوق العمل وتزويدهم بمهارات القيادة. 2. التمكين الاقتصادي؛ يجب خلق فرص عمل مستدامة للشباب وتشجيع ريادة الأعمال، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ومنح القروض الميسرة تعد خطوات مهمة في هذا الإطار. 3. إشراك الشباب في صنع القرار؛ فتمكين الشباب من المشاركة في القرارات السياسية والاجتماعية يعزز شعورهم بالمسؤولية تجاه المجتمع، وعليه يجب توفير منصات تتيح لهم التعبير عن آرائهم ومناقشة القضايا التي تهمهم. 4. تعزيز الوعي الثقافي والاجتماعي؛ من خلال نشر القيم الأخلاقية وتعزيز روح المواطنة والانتماء يساعد الشباب على فهم أدوارهم المجتمعية والتفاعل مع القضايا الوطنية بروح إيجابية. 5. دعم الشباب نفسيًا واجتماعيًا؛ فالاهتمام بالصحة النفسية للشباب ودعمهم اجتماعيًا يساهم في بناء شخصيات قوية قادرة على تحمل الضغوط وتحقيق الأهداف. ومن النماذج الملهمة للشباب: أسامة بن زيد (القائد الشاب)، حيث يُعد نموذجًا للشباب الذين تحملوا المسؤولية في سن مبكرة، عيّنه النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، قائدًا لجيش المسلمين وهو في السابعة عشرة من عمره، على الرغم من وجود كبار الصحابة. هذا التكليف يعكس الثقة التي وضعها الرسول في قدرات الشباب ويُبرز أهميتهم في تحقيق النصر. صلاح الدين الأيوبي (القائد الملهم): حيث برز في شبابه، كقائد عسكري وسياسي بارز، تمكن من تحرير القدس وقيادة الأمة نحو الوحدة الإسلامية. ونجاحاته تؤكد أهمية الاستفادة من طاقات الشباب وتوجيههم لتحقيق أهداف كبيرة. محمد الفاتح (فاتح القسطنطينية): كان في عمر الحادية والعشرين عندما قاد الجيش العثماني لفتح القسطنطينية، وهو إنجاز تاريخي غيّر مجرى الأحداث العالمية. وهذا يبرز دور الشباب في تحقيق الإنجازات الكبرى. * يجب أن تضع الحكومات خططًا إستراتيجية تتضمن برامج تمكين للشباب في مختلف المجالات، وتشجيع التعليم المتخصص، ودعم الابتكار، وتوفير بيئة سياسية واجتماعية آمنة يعد أساسيًا. ويمكن للمؤسسات غير الحكومية أن تلعب دورًا مكملًا من خلال إطلاق برامج تدريبية، وتنظيم فعاليات تفاعلية تعزز من قدرات الشباب وتفتح لهم آفاقًا جديدة. وللقطاع الخاص دور كبير في توفير فرص العمل للشباب، ودعم ريادة الأعمال عبر برامج احتضان الأفكار والمشاريع الجديدة. ** أقول: إن الشباب هم القوة الدافعة وراء التغيير والتنمية في أي أمة، يمكنهم تحقيق المستحيل إذا ما أُحسن توجيههم، وتمكينهم من استثمار طاقاتهم بشكل فعّال. لذا، فإن مسؤولية المجتمع ككل تكمن في تعزيز مكانة الشباب، وتمكينهم من القيادة والإبداع لتحقيق مستقبل مشرق للأمة.
5028
| 25 نوفمبر 2024
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن...
6135
| 26 سبتمبر 2025
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...
4494
| 29 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...
3348
| 29 سبتمبر 2025
تواجه المجتمعات الخارجة من النزاعات المسلحة تحديات متعددة،...
1605
| 26 سبتمبر 2025
بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون...
1338
| 28 سبتمبر 2025
أُنّشِئت الأمم المتحدة في العام ١٩٤٥م بعد الحرب...
1197
| 28 سبتمبر 2025
من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...
1059
| 29 سبتمبر 2025
في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ...
1044
| 02 أكتوبر 2025
منذ أكثر من مائة عام ارتُكبت واحدة من...
873
| 30 سبتمبر 2025
في لحظة صفاء مع النفس، يطلّ النسيان عليَّ...
831
| 30 سبتمبر 2025
كم مرة قلت «نعم» في العمل بينما في...
657
| 02 أكتوبر 2025
لم تكن كلمة سموّ الأمير تميم بن حمد...
630
| 26 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية